هي لحظة لا يمكن و صفها ولا يمكن لأحد أن يفهمها إلا من عاشها. قد تختلف طريقة التعبير عنها من شخص لآخر، و لكن في النهاية الجميع يحمل نفس المعاني و المشاعر،
تلك اللحظة هي اللحظة التي يعود فيها الغريب إلى وطنه وداره هي اللحظة التي يطأ فيها الغريب أرض الوطن، اللحظة التي يرتمي فيها الغريب بين أحضان الوطن، يستنشق هوائها و يأكل من خيراتها يتجول بين أنحاءها بكل حرية و أمان يتفحص الأوجه التي اشتاق إليها و الأماكن التي غاب عنها.
فكم من شاعر كتب أشعارا لوصف هذه اللحظة التي قد تجمع بين الفرح والحزن في نفس الوقت، الفرح بالعودة و رؤية الأهل و الأقارب و الجيران، الفرح بلحظات الأمان التي يشعر بها الإنسان في وطنه و تحديدا في مدينته و بالأخص في منزله و الحزن لاضطراره إلى الغربة و البعد، الحزن على الفراق على الوحدة،
لكن ما الذي يجبره على الغربة رغم وحشتها؟ سؤال محيَر، وتصرف متناقض، أليس الخيار في يده؟ فلماذا يترك الأمان و يذهب للوحدة والحرمان؟
قبل الإجابة على هذه التساؤلات يبقى هناك سؤال آخر:
لماذا يشعر الإنسان بالأمان و الشوق لوطنه؟
قد تتعدد الإجابات و تتنوع ما بين أنه حب فطري ، وبين أن الإنسان يتمتع في وطنه بالحرية و كافة الحقوق، يشعر الإنسان في وطنه أنه سيد المكان مع اختلاف الوظائف و المناصب و لكن يبقى أبناء الوطن في الدرجة الأولى فكل خيرات الوطن يتمتع بها أبناؤها،
أو لأن الوطن هو مصدر الدفء فعندما تظلم ستجد ألف شخص أو يزيد يسعى ليعيد لك حقك، عندما يعتدي عليك غريب ستجد من يتصدى له، عندما ينتهك عرضك أو يرق دمك ستجد من يثأر لك، من يقتطع من رزقه ليعطيك، ستجد حاكم يبذل كل غالي وثمين من أجل أن يؤمن لك حياة كريمة، حاكم لا يغمض له جفن إلا بعد أن يطمئن على أبناء وطنه.
ربما هذا ما شعر به الشعراء في الماضي فتغنوا بحب الوطن!.
لكن عندما تشعر بأنك ضيف في وطنك و لست كأي ضيف و إنما ضيف غير مرغوب فيه،ضيف ثقيل.
في كل لحظة تشعر بأنك مهان محروم من أقل حقوقك، يراق دمك في وطنك وبعدها يصافح من أراقها، تنتهك آدميتك و يصفق لمن انتهكها، يسرق مالك و ترفع القبعة لمن سرقه.
عندما تهان كرامتك ممن كان يجدر به أن يحافظ عليها، و بعد ذلك يزج بك في السجن و تتجرع من العذاب ألوانا لمجرد أنك صرخت من شدة الألم، لأنك بكيت من هول الدهشة،
فكيف لي أن أعيش غريب في وطني!!
أن أرى الغرباء يتمتعون بخيرات وطني و أنا محروم، أن ينتهك عرضي في وطني و غيري مصان، أن أحرم من خيرات و طني لينعم بها الغريب، أن تراق دمائي على أرض وطني و أسمع أنين وطني حزنا و ألما على حالي...
أما زال السؤال محيَر؟ أما زال التصرف متناقض؟!!
فمشاعر الغربة و الوحدة و عدم الأمان في وطن غريب أهون بكثير منها في وطن المغترب، فرغم الغربة إلا أن آدميتي مصانة و حقوقي مكفولة لا لشيء إلا لأنني إنسان.
وعلى هذا فإني أقدم أحرف الاعتذار هذه لك يا وطني، و أرجو أن تتفهم موقفي.
فأنا لم أفكر في الهجرة و البعد إلا بعد أن نفذ صبري و قلت حيلتي، و تذكر أن حبك في قلبي سيظل مشتعل و ستظل أنت الوطن و أعدك بأنني سأعود لأجفف دمعك وأصون حرمتك.
وإلى حينها لك مني يا وطني كل الحب والحنين.
سلمى ساجدة للرحمان