ما أجمل أن يكون للإنسان فكرة معينة يؤمن بها و يعيش من أجلها يتحدى بها العالم و المجتمع
،
فكرة واحدة لا تتغير لأنها راسخة ثابتة في عقله. قد يدفع كل غالي و ثمين من أجلها فهو مؤمن بها لدرجة أنه يستطيع أن يواجه بها كبار المفكرين، يتحاور و يتناقش من أجل إثبات صحتها و الدفاع عنها.
لكن تأتي المشكلة عندما يكتشف الإنسان أن الفكرة التي تبناها مجرد كلام.
فقد ضبط نفسه عندما فشل في تنفيذ هذه الفكرة على أرض الواقع، عجز عن حفر تلك الفكرة على صفحات الواقع.
و اكتشف أن ما كان يؤمن به من مبادئ و فكر مجرد كلام يواجه به العالم و المجتمع ويطلب من الجميع الالتزام به و هو أول من عجز عن الالتزام به.
ترى أيكون النفاق وراء هذا التصرف؟
قد يكون ولكن لا أريد أن أسلم لهذا السبب.
هذا لا يعني أنني أرفضه ولكن أرغب في الإبحار دخل ثنايا النفس، فمن الممكن أن نجد العديد و العديد من الأسباب الأخرى.
فقد يكون هذا الإنسان يفكر بشكل من العشوائية و الكبرياء، فعندما تخطر له فكرة يسرع بتبنيها و عندما يكتشف عدم صحتها يمنعه كبريائه من التراجع عنها، ولكن الجميع اكتشفوا أنه مجرد كلام.
أعتقد أن هذا السبب مقبول بالنسبة لطبيعة النفس البشرية،
ومع ذلك يبقى هناك سبب آخر يدفع الإنسان لهذا التناقض الغريب.
عندما يتبنى الإنسان فكرة نبيلة تتسم باحترام العقل و تجريده من كل معوقات التفكير بما فيها عادات المجتمع المتخلفة يسعد الإنسان بأن في داخله هذه البذرة الطيبة،
فيعمل على الاعتناء بها و رعايتها -و يضيف لها كل الأفكار النبيلة الأخرى من احترام الإنسان لأخوه الإنسان بصرف النظر عن لونه أو جنسه أو حتى مستواه فهذا كله لا يمنع فكرة الاحترام- و يستمر في إضافة باقي الأفكار الجادة الهادفة، معتقد أن هناك وجود للكمال في عالم الإنسان.
و سرعان ما يكتشف الحقيقة عندما يسعى لتطبيق أفكاره بصورتها اللامعقولة على النفس البشرية التي لا تعترف بالالتزام، ولا تطيق الجد، و تميل للمظاهر و جذب الانتباه و الراحة.
وهنا ينشأ الصراع الداخلي بين النفس و العقل والذي يسعى وراء الكمال و الالتزام و تحمل المشاق من أجل تحقيق الأفكار المثالية، لسان حاله يقول لا وجود للمستحيل.
بينما تستمر النفس في البحث عن الراحة و المظاهر والشهوات، لسان حالها يقول أريد مزيد من الراحة و المتع.
و يأتي تناقض الإنسان ويزداد الصراع بين النفس و العقل، بين المعقول و اللامعقول.
فقد ينتصر العقل مرة و تنتصر النفس مرات...
و يبقى على الإنسان أن يختار بين العقل و النفس، أو أنه يجد نقطة مشتركة بين ما يسعى له العقل وما تقدر النفس على تنفيذه.
وبذلك يكون قد استطاع أن يجمع بين الفكر و الواقعية.
مع الأخذ في الاعتبار عادات المجتمع و أفكاره السلبية الرجعية و التي طالما أغوت النفس للوقوع في شباكها.
وهنا يكون الإنسان أمام الاختيار الحقيقي هل يخضع الإنسان لسلبيات المجتمع أم يتحداها بفكر جديد وواقعية حتى لا تصبح أفكاره مجرد كلام...سلمى ساجدة للرحمان
14-5-2007