في أحدى الأيام جلست على رمال أحدى الشواطئ الهادئة و نظرت إلى البحر متأملة و مدققة.
عيني تتابع كل موجة و هي ترسو على الشاطئ، فكل موجة تصل إلى الشاطئ لا تأتي مرة أخرى لقد ابتلعها
الشاطئ، بصرف النظر عن نوع تلك الموجة، فقد تتباين أمواج البحر،
ففي بعض اللحظات تكون أمواج هادئة ساكنة ترسو في هدوء و لطف على الشاطئ، و فجأة تأتي الموجة التالية
عالية شديدة ترتطم بشدة محدثة ضجة و هكذا يستمر البحر بين الهدوء و العاصفة.
و الناس في قلب البحر يلعبون و يمرحون و لا يبالون.
عندها تذكرت واقعنا المتأرجح بين العسر واليسر، بين الأفراح و الابتلاءات.
فكل موجة من أمواج البحر تمثل يوم من أيام الحياة المتقلبة، و الشاطئ و هو يبتلع الأمواج يمثل الزمن و هو يبتلع
أيام العمر،
أما صوت الموج فبمثابة النذير الذي يبعثه الله لنا و لكن بدون اتعاظ، فمازال الناس وسط أمواج البحر مع ارتفاع
الصوت.
بينما الرمال الصفراء الناعمة ذكرتني بالنفس البشرية خلقت على الفطرة، و لكن عندما تتعامد الشمس على
الرمال تتحول إلى جمر محرق تحرق كل من يقترب منها، و عندما تميل الشمس و يصفو الجو تصبح الرمال دافئة
ساحرة.
أما منظر البحر بمجمله من الخارج يمثل زيف الدنيا، فكم ابتلع البحر من أطفال و رجال و نساء؟
و مع ذلك يستمرون في الإقبال عليه كل عام في نفس الميعاد.
و طبعا إذا نظرت إلى عكرة البحر فسأتذكر سريعا المفسدون من بني البشر و ما قاموا به من إفساد و تخريب،
بينما تذكرني رغوة البحر البيضاء بشياطين الإنس و الجن لونها أبيض لكن مذاقها مر.
أما رمال البحر فهي بمثابة الإيمان و القرب من الله فعندما نطأ بأرجلنا هذه الرمال نشعر بالأمان و لكن عندما نغفل
و نعاند و نتعمق في البحر بدون شعور سرعان ما نهوى بلا منقذ غير الرجوع إلى الله.
وأخيرا ذكرني المد و الجزر بسياسة الدنيا معنا فهي تبتسم لنا لنقبل عليها ثم بعد ذلك تكشر عن أنيابها لتعلمنا
درسا لا ننساه أبدا و مع ذلك ننساه سريعا عندما تعاود ابتسامتها الساحرة-إلا من رحم ربي-.
و هنا أطلق حارس الشاطئ صفارته بشدة لينذر الجميع بأن الجزر ازداد و الأمواج بدت عالية فعلى الجميع إخلاء
البحر حالا لأنه لم يعد آمن...
سلمى ساجدة للرحمان