السبت، ٢٩ مايو ٢٠١٠

ضيوف الوطن


  
  هي لحظة لا يمكن و صفها ولا يمكن لأحد أن يفهمها إلا من عاشها. قد تختلف طريقة التعبير عنها من شخص لآخر، و لكن في النهاية الجميع يحمل نفس المعاني و المشاعر،
تلك اللحظة هي اللحظة التي يعود فيها الغريب إلى وطنه وداره هي اللحظة التي يطأ فيها الغريب أرض الوطن، اللحظة التي يرتمي فيها الغريب بين أحضان الوطن، يستنشق هوائها و يأكل من خيراتها يتجول بين أنحاءها بكل حرية و أمان يتفحص الأوجه التي اشتاق إليها و الأماكن التي غاب عنها.

   فكم من شاعر كتب أشعارا لوصف هذه اللحظة التي قد تجمع بين الفرح والحزن في نفس الوقت، الفرح بالعودة و رؤية الأهل و الأقارب و الجيران، الفرح بلحظات الأمان التي يشعر بها الإنسان في وطنه و تحديدا في مدينته و بالأخص في منزله و الحزن لاضطراره إلى الغربة و البعد، الحزن على الفراق على الوحدة،

   لكن ما الذي يجبره على الغربة رغم وحشتها؟ سؤال محيَر، وتصرف متناقض، أليس الخيار في يده؟ فلماذا يترك الأمان و يذهب للوحدة والحرمان؟

قبل الإجابة على هذه التساؤلات يبقى هناك سؤال آخر:
لماذا يشعر الإنسان بالأمان و الشوق لوطنه؟
قد تتعدد الإجابات و تتنوع ما بين أنه حب فطري ، وبين أن الإنسان يتمتع في وطنه بالحرية و كافة الحقوق، يشعر الإنسان في وطنه أنه سيد المكان مع اختلاف الوظائف و المناصب و لكن يبقى أبناء الوطن في الدرجة الأولى فكل خيرات الوطن يتمتع بها أبناؤها،
أو لأن الوطن هو مصدر الدفء فعندما تظلم ستجد ألف شخص أو يزيد يسعى ليعيد لك حقك، عندما يعتدي عليك غريب ستجد من يتصدى له، عندما ينتهك عرضك أو يرق دمك ستجد من يثأر لك، من يقتطع من رزقه ليعطيك، ستجد حاكم يبذل كل غالي وثمين من أجل أن يؤمن لك حياة كريمة، حاكم لا يغمض له جفن إلا بعد أن يطمئن على أبناء وطنه.
ربما هذا ما شعر به الشعراء في الماضي فتغنوا بحب الوطن!.
لكن عندما تشعر بأنك ضيف في وطنك و لست كأي ضيف و إنما ضيف غير مرغوب فيه،ضيف ثقيل.
   في كل لحظة تشعر بأنك مهان محروم من أقل حقوقك، يراق دمك في وطنك وبعدها يصافح من أراقها، تنتهك آدميتك و يصفق لمن انتهكها، يسرق مالك و ترفع القبعة لمن سرقه.
   عندما تهان كرامتك ممن كان يجدر به أن يحافظ عليها، و بعد ذلك يزج بك في السجن و تتجرع من العذاب ألوانا لمجرد أنك صرخت من شدة الألم، لأنك بكيت من هول الدهشة،
فكيف لي أن أعيش غريب في وطني!!
أن أرى الغرباء يتمتعون بخيرات وطني و أنا محروم، أن ينتهك عرضي في وطني و غيري مصان، أن أحرم من خيرات و طني لينعم بها الغريب، أن تراق دمائي على أرض وطني و أسمع أنين وطني حزنا و ألما على حالي...

أما زال السؤال محيَر؟ أما زال التصرف متناقض؟!!
فمشاعر الغربة و الوحدة و عدم الأمان في وطن غريب أهون بكثير منها في وطن المغترب، فرغم الغربة إلا أن آدميتي مصانة و حقوقي مكفولة لا لشيء إلا لأنني إنسان.

   وعلى هذا فإني أقدم أحرف الاعتذار هذه لك يا وطني، و أرجو أن تتفهم موقفي.
فأنا لم أفكر في الهجرة و البعد إلا بعد أن نفذ صبري و قلت حيلتي، و تذكر أن حبك في قلبي سيظل مشتعل و ستظل أنت الوطن و أعدك بأنني سأعود لأجفف دمعك وأصون حرمتك.
وإلى حينها لك مني يا وطني كل الحب والحنين.





سلمى ساجدة للرحمان

هناك ١٣ تعليقًا:

  1. الاخت الفاضلة ساجدة للرحمن

    نحن لسنا ضيوفا علي الوطن، نحن أبناؤه وأصحاب، وإن يقسو علينا في معظم أحيانه ويحنو بعض الشئ أحيانا، وعلينا توصيله لبر الامان ليس لصالحنا فقط إنما لأولادنا من بعدنا الذين سيعيشون فيه شئنا أم أبينا

    تقبلي تحياتي

    ردحذف
  2. سلمى
    هي فعلاً مشاعر الكثيرين ممن يعيشون في هذا الوطن ، حيث اصبحوا يعيشون في غربة في وطنهم .
    وهو ما عبر عنه الرائع فاروق جويدة في قصيدته
    ( هذي بلاد لم تعد كبلادي )
    اللهم ارحم غربتنا
    تقبلي مروري
    محمد البنا
    طريق النجاح

    ردحذف
  3. يبدو انك لست على اضطلاع على المعجم المطور الجديد
    يقول المعجم بعد التحديث
    أن الوطن هو مكان ولدت به ثم تتضطر لتركه لأنه لا يوفر لك ما يكفل لك العيش في حياة كريمة و لا تستطيع تحت سقفه و على ظهره ان تبدع و الا اضطر لمعاقبتك وهو لا يحب ذلك و طنك هو مكان تولد به و تحب أن تدفن به و هذا ليس ذنب الوطن انه تغيرت مفاهيمه و لكن هناك من اجبره على أن يعرض أبناءه للتبني.. و ليس خطأك انك لم تعلمي بالتحديث فالكثير لم يعلموا بعد حتى يجربوا
    لقد رأيت الحق في كلماتك
    تقبلي احترامي و تقديري لقلمك
    و سوف نظل نحبك ايها الوطن

    ردحذف
  4. السلام عليكم:
    اتفق مع كلامك الي حد كبير. أعجبني التحديث في المدونة، و لكن لم تعجبني صورة شخص معين بين تلك الصور.
    لذلك أتمني أن تقرأي ما في الرابطين التاليين بتركيز و تأمل و حيادية و موضوعية، أعرف أن ذلك قد يستغرق بعض الوقت و لكن أعتقد أن البحث عن الخقائق و النظر الي الوجه الآخر للعملة يستحق ذلك:
    http://vb.islam2all.com/showthread.php//www.islam2all.com/quran-lib/tl4s-rmadan/TL4S-3eed/3id/images/archive/showthread.php//www.islam2all.com/quran-lib/tl4s-rmadan/TL4S-3eed/3id/images/archive/showthread.php?t=30635

    الرابط الثاني:

    http://www.sunna.info/books/amr_khaled.php

    حازم

    ردحذف
  5. سلمي

    كلنا نشعر بنفس الاحاسيس المتضاربة تجاه الوطن
    اتفق معكي اننا اصبحنا غرباء في اوطاننا ونتنهز اي فرصة للخروج منه الي عالم اخر يحقق لنا السعادة والامان

    ولكن هنا وقفة هل ذلك هو الحل ؟
    اراه انه لا بل الجهاد في اوطاننا ضد الحكومات العميلة التي حولت اوطاننا الي مسوخ اوطان وحولوا مواطينيها الي اشباح

    لابد لنا ان نتكاتف جميعا ولا نغادر اوطاننا بل نتحد ضد الطغيانوالذل الذي نعيشه ليل نهار
    ونرتقي من الكلام الي الفعل وكل في مجاله

    تحياتي للموضوع

    ردحذف
  6. فليعد للدين مجده: أتفق مع حضرتك جدااا بس فى بعض اللحظات من شدة القسوه يشعر الإنسان بأنه لامفر من البعد قليلا يستعيد احترامه لذاته وآدميته حتى يستطيع العوده واستكمال الرحله الشاقة...

    ردحذف
  7. هذي بلاد لم تعد كبلادي...قويه جدااا الجمله دى، اللهم ارحم غربتنا فى الدنيا وفى أوطاننا...

    ردحذف
  8. شكرااا اخى محمد البنا على التواجد المستمر والتعليقات المثمره

    ردحذف
  9. خاتون: مهما طال الزمن ومهما قسي الوطن سنظل نحبه ونفديه بأرواحنا كانت مجرد خاطره للترويح عن النفس من شدة الضغوط والتضيقات...سلمت يمناك

    ردحذف
  10. أخي الفاضل حازم: عمرو خالد شخصية مؤثر مما لاشك فيه بدايته كانت قويه ولكن فى نهاية المطاف كان عليه مآخذ كثيره ربا لا أتفق معه فى اشياء كثيره ولكن لاأستطيع أن أنكر دوره الكبير فى احياء الدين فى قلوب الكثيرين، وفكره التعايش التى ذكرتها هى التعايش مع الآخر بشكل عام وخاصة المسلمين غير الملتزمين زمان كان الواحد لما يشوف واحده متبرجه يبصلها باشمئزاز ويمشى ويسبها لكن أعتقد أن عمرو خالد دوب الحواجز دى وبقى فى تواصل صحيح مع كل الفئات أو هذا ما أعتقده..وكلنا نخطأ ونصيب ونسال الله السداد
    جزاك الله خيرااا على التعليق الفعال أضاف لى الكثير

    ردحذف
  11. أخي الفاضل هيثم: متفقه معاك تماما تماما...كتبت الخاطره دى تحت ظروف صعبه شويه وكنت حاسه وقتا باليأس والغضب الشديد ركبت تاكسي وكان السائق مشغل قرآن بمجرد ركوبي تليت هذه الآيه(ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها)رجعت البيت كتبت الخاطره دى... كنوع من التنفيس عن غضب عارم داخلى فى تلك اللحظة..فى بعض اللحظات الواحد بيحتاج يبعد علشان يستعيد نفسه ويرجع من أول وجديد وطول ما لاغايه واضحه قدام عنينا أتوقع أن الأمر هيكون بسيط..شكرااا جزيلا

    ردحذف
  12. السلام عليكم:
    تعليق علي كلامك، المحتشمة الآن هي التي ينظر اليها باشمئزاز، و أسأل الله أن يثبتها و لا تفتتن بالأخريات، و لم يكن خطأ أن ينظر الي المتبرجة باستهجان من باب انكار المنكر حتي و لو بالقلب لعلها ترجع عما هي فيه و ليس طبعا بالتعدي علي بالسب علي هذه أو تلك. ما حدث هو تقبل المتبرجة و تقبل ما هو اكثر من ذلك من اشباب و الفتيات و انظري حولك في الجامعة او في المامن العامة لتعرفي هل هذا في تناقص أم ازدياد.
    عمر خالد لا يتحدث في الدين الاسلامي من قريب أو من بعيد و لكن ما يقوله يمكن أن تسمعيه من أي قس أو أي كاهن أو أي انسان مصلح و لو حتي كان ملحدا، فهو يتكلم عن الأخلاق الحميدة التي يعرفها أي انسان بالبديهة حتي و ان كان غير مؤمن بأي دين، و عندما يتطرق الي أمور الدين الاسلامي فهو يخطيء أخطاء جسيمة، لا أعرف عن قصد أو بدون قصد و لكنها في الغالب تكون عكس ما ورد في صريح القرآن و صريح السنة، يستطيع أي مسلم علي وعي بأمور دينه ان يلاحظها أما المشكلة فيمن يخاطبهم حيث لا يكونوا في الغالب علي وعي بشيء مما يترتب عليه آثار مدمرة، نري نتائجها في المجتمع الآن.
    قد يكون من أسباب التفاف الناس حوله و ربما النساء و الفتيات أكثر شيئان أساسيان أولا أنه يخاطب العاطفة و من المعروف ان العاطفة عند النساء أكثر و السبب الثاني أنه يتساهل في أمور كثيرة و هذا ما يريده معظم الناس سواء نساء أو رجال.
    نعم كل انسان يخطيء و يصيب، و لكن عندما يكون الخطأ أكثر من الصواب فاننا يجب علينا اعادة النظر فيما يقوله الشخص الذي نستمع اليه و قد يتخذه البعض قدوة و قد يأخذ كل كلمة يقولها مصدقة دون محاولة للتحقق من صحتها أو خطأها.
    لا أود الاستطراد طويلا، و كنت أود بالفعل أن تقرأي ما في الروابط بتأمل و وموضوعية و حيادية لمعرفة الحقائق بنفسك بدلا من الدفاع بشكل سطحي عن شخص أٌل ما يقال عنه أنه يحارب الاسلام بشكل غير مباشر، و يهدم أسسه في قلوب الكثيرين بشكل منهجي، ليصبح الدين الاسلامي في ثوبه الجديد كأي ديانة وضعية أخري-لا تشريعات و لا حدود و لا انكار منكر أو احقاق حق- و انما بعض الكلام عن حب الاله و ليس الخوف منه،مع أن الرسول الكريم نفسه في أكثر من موضع يقول انه يخاف الله و يخاف عقابه،و تلك هي صفات المؤمنين، و الالحاح دائما علي أن الله غفور رحيم فقط، و تجاهل انه شديد العقاب-مما يجعل الملتزم يفتتن و تحدثه نفسه أن يقع في الخطأ، مع أن القرآن دائما ما يذكر المغفرة و العقاب متلازمين و ليس المغفرة فقط، ثم كلام لاستجداء الغرب و طلب رضاهم، مع أن القرآن يقول لنا ان اليهود و النصاري و الكفار لن يرضوا عن المسلمين حتي يتبعوا ملتهم، و الاستشهاد بأحاديث أحيانا ضعيفة و أحسانا موضوعة لم يقلها الرسول (ص)، و تفسير للآيات القرآنيه تيعا للهوي و ليس طبقا لما رواه الصحابة و التابعين.. هذه باختصار هي رسالة عمرو خالد، و مرة أخري أدعوك لقراءة ما في الروابط بوعي و تركيز و تأمل لمعرفة الحقائق و ربطها بعضها ببعض.(بالمناسبة كل ما تم ذكره عن ذلك الشخص ليس من عندي و انما هي أقوال علماء دين كبار ذكروه بالأدلة العقلية و النقلية و العملية، و ليس رأي شخصي في انسان و انما و يفغله هذا الانسان و النتائج التي تترتب عليه)
    عذرا للاطالة
    شكرا للمتابعة
    حازم

    ردحذف
  13. أخي الكريم حازم: الموضوع دا شائك جدااا، وأنا لست على دراية كامله علشان أرد مهما قرأت من كلام عنه، على العلم فأنا لست من المتعصبين لعمرو خالد على الاطلاق ولا أعتبره داعيه ولكنه شخص نشر فكره الإيجابيه والنهضه وهذا يكفى، الدكتور عبد الفتاح القصاص اللى اتعلمت منه تواضع العالم لابس دبله دهب وفكره أقرب للعلمانيه ولم يؤدى فريضة الحج انكرت كل ذلك وامتعض وجهى لذلك ولكن لم يمنعنى هذا من أن أتعلم منه صفه فيه قد تغييب عن غيره...دا كل اللى اقصده، وفكرت أن يمتعض وجهى لله شيء وان أنظر للآخرين باستعلاء وتميز أن ربنا فضلنى عنهم وهدانى وهم لأ شيء تانى، الحاله الأولى هتدينى فرصه أنصحها بلطف لكن التانيه مهما قلتلها هى مش هتقبل وحصل دا قدام عينى فعلا...
    عموما أشكرك بشده على ردك التفصيلى والتوضيح وأحيك على حرصك.. فى كلام كتير محتاج يتقال لتوضيح الصوره ولكن مش عارفه أكتبه دلوقت قد اتبعه فى رد لاحق بكرر شكرى وتقديري..

    ردحذف

شاركني خاطرتك...